فصل: الشاهد السابع عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.خبر دبيس مع البرسقي ومع الملك مسعود.

لما توفي الخليفة المستظهر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وبويع ابنه المسترشد خاف ابنه الآخر من غائلة أخيه وانحدر في البحر إلى المدائن وسار منها إلى الحلة فأبى أن يكرهه فتلطف علي بن طراد لأخي الخليفة فأجاب وتكفل دبيس بما يطلبه وبينما هو في خلال ذلك برز البرسقي من بغداد مجلبا على دبيس الجموع وسار أخو الخليفة إلى واسط فملكها في صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وقوي أمره كثرت جموعه فبعث الخليفة إلى دبيس في شأنه وأنه خرج عن جواره فلقي أمره بالطاعة وبعث إليه وهو بواسط عسكرا من قبله فتلقاه وقبض عليه وبعثه إلى أخيه المسترشد وكان مسعود أخو السلطان محمد بالموصل ومعه أتابكه حيوس بك فاعتزما على قصد العراق لغيبة السلطان محمود عنه فسار لذلك ومعه وزيره فخر الملك أبو علي بن عمار صاحب طرابلس وقسم الدولة زنكي بن أقسنقر أبو المعالي أبو الملك العادل وكروباوي بن خراسان التركماني صاحب البواريح وأبو الهيجاء صاحب إربل وصاحب سنجار فلما قاربوا بغداد خاف البرسقي شأنهم وبعث إليه الملك مسعود وحيوس بك أنهم إنما جاؤا نجدة على دبيس وكان البرسقي إنما ارتاب من حيوس بك فصالحهم ودخل مسعود بغداد ونزل دار المملكة وجاء منكبرس في العساكر فسار البرسقي عن بغداد لمحاربته ودفاعه فمال إلى النعمانية وعبر دجلة واجتمع مع دبيس بن صدقة وكان دبيس قد صانع مسعودا وصاحبه بالهدايا والألطاف مدافعة عن نفسه فلما لقيه منكبرس اعتضد به وسار الملك مسعود والبرسقي وحيوس بك إلى المدائن للقائهما ثم خاموا عن لقائهما لكثرة جموعهما ونكبوا عن المدائن وعبروا نهر صرصر وأكثروا النهب في تلك النواحي من الطائفتين وبعث إليهم المسترشد بالموعظة ويأمرهم بالموادعة والمصالحة فأجابو إلى ذلك ثم بلغهم أن دبيسا ومنكبرس قد بعثا العساكر مع منصور أخي دبيس وحسين بن أوزبك ربيب منكبرس ليخالفوهم إلى بغداد فخلوها من الحامية فأغذ البرسقي السير إلى بغداد وترك ابنه عز الدين مسعود على العسكر وصحبه عماد الدين زنكي بن أقسنقر وانتهى إلى ديالى ومنع العسكر من العبور ثم جاءه الخبر ليومين بصلح الفريقين كما أشار الخليفة ففتر نشاطه وعبر إلى الجانب الغربي من بغداد وجاء في أثره منصور أخو دبيس وحسين ربيب منكبرس فنزلا في الجانب الشرقي من بغداد وأغار البرسقي على نعم الملك مسعود فأخذها وعاد فخيم بجانب آخر من بغداد وخيم مسعود وحيوس بك من جانب آخر ودبيس ومنكبرس من جانب ومعهما عز الدولة بن البرسقي منفردا عن أبيه وكان حيوس بك قد بعث إلى السلطان محمود بطلب الزيادة له وللملك مسعود فجاء كتاب مع رسوله يذكر أن السلطان كان أقطعهم أذربيجان حتى إذا بلغه مسيرهم إلى بغداد تثاقل عن ذلك وقد جهز العساكر إلى الموصل ووقع الكتاب بيد منكبرس فبعث إلى حيوس بك وضمن له إصلاح الحال وكان يؤثر مصلحته إذ كان متزوجا بأمه فتم الصلح وافترق عن البرسقي أصحابه وبطل ما كان يحدث به نفسه من الاستبداد بالعراق وصار مع الملك مسعود واستقر منكبرس شحنة ببغداد ورجع دبيس إلى الحلة.

.فتنة دبيس مع السلطان محمود وإجلاؤه عن بغداد ثم معاودته الطاعة.

كان دبيس بن صدقة كثيرا ما يكاتب حيوس بك أتابك الملك مسعود ويعريهم بطلب السلطنة ويعدهم بالمساعدة ليحصل له بذلك علو اليد كما كان لأبيه مع بركيارق ومحمد ابني ملك شاه وكان قسيم الدولة البرسقي شحنة بغداد قد سار للملك مسعود وأقطعه مراغة مع الرحبة وكانت بينه وبين دبيس عداوة مستحكمة فأغراهم دبيس بالقبض عليه ففارقهم البرسقي إلى السلطان محمود فأكرمه ثم اتصل الأستاذ أبو إسمعيل الحسين بن علي الأصفهاني الطغرائي بالملك مسعود وكان ولده أبو المؤيد محمد يكاتب الطغرائي عن الملك مسعود فلما وصل أبوه عزل أبا علي بن عمار صاحب طرابلس واستوزره وحسن لهم ما أشار به دبيس فعزموا عليه ونمي الخبر إلى السلطان محمود فكاتبهم بالوعيد فأظهروا أمرهم وخطبوا للملك مسعود بالسلطنة وضربوا له النوب الخمس وبلغهم أن عساكر محمود متفرقة فأغذوا السير لمحاربته والتقوا عند عقبة استراباد في ربيع سنة أربع عشرة وأبلى البرسقي وكان في مقدمته ثم انهزم مسعود وأمر كثير من أصحابه وجيء بالوزير أبي إسمعيل الطغرائي فأمر بقتله لسنة من ولايته وكان حسن الكتابة والشعر وله تصانيف في صنعة الكيمياء وسار مسعود يطلب الموصل بعد أن استأمن البرسقي وأدركه فرده إلى أخيه وعفا عنه وعطف عليه ولحق حيوس بك بالموصل ثم بلغه فعل السلطان محمود ومعه ألف سفينة لعبوره فبادر دبيس لطلب الأمان بعد أن أرسل حرمه إلى البطيحة وسار بأمواله عن الحلة وأمر بنهبها ولحق بأبا الغازي بن أرتق بماردين ووصل السلطان إلى الحلة فوجدها خاوية على عروشها فرجع عنها وأرسل دبيس أخاه منصورا من قلعة صفد في عسكر إلى العراق فمر بالحلة والكوفة وانحدر إلى البصرة وبعث إلى برتقش الزكوي في صلاح حالهما مع السلطان محمود فقبض على منصور أخي دبيس وولده وحبسهما ببعض القلاع حذاء الكرخ ثم أذن دبيس لجماعة من أصحابه بالمسير إلى أقطاعهم بواسط فمنعهم أتراك واسط فبعث إليهم عسكرا مع مهلهل بن أبي العسكر وأمر مظفر بن أبي الخير فساعده واستمد أهل واسط البرسقي فأمدهم بعسكر وسار مهلهل للقائهم قبل مجيء المظفر فهزم وأخذ أسيرا في جماعة من أصحابه وأصعد المظفر من البطيحة ينهب ويفسد حتى قارب واسط وسمع بالهزيمة فأسرع منحدرا ووقع على كتاب بخط دبيس إلى مهلهل يأمره بالقبض على مظفر بن أبي الخير ومطالبته بالأموال فبعثوا به إلى المظفر وسار معهم وبلغ دبيسا أن السلطان كحل أخاه فلبس السواد ونهب البلاد وأخذ للمسترشد بنهر الملك وأجفل الناس إلى بغداد وسار عسكر واسط إلى النعمانية فأوقعوا بمن هنالك من عساكر دبيس وأجلوهم عنها وكان دبيس قد أسر في واقعة البرسقي عفيفا خادم الخليفة فأطلقه وحمله إلى المسترشد عقابا ووعيدا على كحل أخيه فغضب الخليفة وتقدم إلى البرسقي بالخروج لحرب دبيس وخرج بنفسه في رمضان سنة عشرة وخمسمائة وأتاه سليمان ابن مهارش من الحديثة في جماعة من بني عقيل وقريش بن مسلم صاحب الموصل في كافة بني عقيل وأمر المسترشد باستنفار الجند كافة وفرق فيهم الأموال والسلاح وجاء دبيسا ما لم يكن يحتسبه فرجع إلى الاستعطاف وبرز الخليفة آخر ذي الحجة وعبر دجلة وهو في أكمل زيه ومعه وزيره نظام الدين أحمد بن نظام الملك ونقيب الطالبيين ونقيب النقباء علي بن طراد وشيخ الشيوخ صدر الدين إسمعيل وبلغ البرسقي مسير المسترشد فعاد إلى خدمته ونزل معه بالحديثة ثم سار إلى الموصل على سبيل التعبية والبرسقي في المقدمة وعبى دبيس أصحابه صفا واحدا وجعل الرجالة بين يدي الخيالة وقد كان وعد أصحابه بنهب بغداد وسبي حريمها فالتقى الفريقان فانهزم عسكر دبيس وأسر جماعة من أصحابه فقتلوا صبرا وسبيت حرمه ورجع المسترشد إلى بغداد يوم عاشوراء من سنة سبع عشرة وخمسمائة ونجا دبيس وعبر الفرات وقصد غزنة من عرب نجد مستنصرا بهم فأبوا عليه فسار إلى المنتقى وحالفهم على أخذ البصرة فدخلوا ونهبوا أهلها وقتل مقدم عسكرها وبعث المسترشد إلى البرسقي بالعتاب على إهمال أمر البصرة فتجهز البرسقي للانحدار إليها ففارقها دبيس ولحق بقلعة جعبر وصار مع الفرنج وأطمعهم في حلب وسار معهم لحصارها سنة ثمان عشرة وخمسمائة فامتنعت عليهم فعادوا عنها ولحق هو بالملك طغرلبك ابن السلطان بن محمد فأغراه بالمسير إلى العراق كما نذكر.